de mbibany » Ven Oct 05, 2007 13:59
إطلالة تاريخية على بلدة الجمعة نصهاريج
بقلم: أرزقي فراد
تاريخ المقال 15/09/2007
اقترن ذكر الجمعة نصهاريج بالبعد الحضاري العريق للإنسان الأمازيغي الذي عمر
هذه الأرض المعطاء منذ الأزمنة البعيدة ، وقد رصع تاريخها بمآثر أعلام كثيرة سادت وأبدعت عبر التاريخ ، في إطار الحضارتين المتآلفتين : الأمازيغية والعربية الإسلامية، لكن النسيان طوى الكثير منها ولم نعد نعرف منها ألا القليل ، كما ارتبط ذكرها أيضا بوجود زاويتين عامرتين، زاوية سيدي سحــنون العريقة وزاوية ثلا مقرن .
ولعل أهم الأعلام التي مازالت طافية على سطح الذاكرة : الشيخ العالم لونيس بن القاضي الصهريجي الزواوي الذي يرجح أنه عاش في مطلع القرن التاسع عشر ، والشاعر مزيان أوحماذوش ( معاصر للشاعر الكبير سي محند أومحند) والشيخ الصالح الذي هاجر إلى الشام في ركب الشيخ المهدي السكلاوي الايراثني سنة 1847م ، والشيخ محند والحاج مؤسس زاوية ثلا مقرن سنة 1903م ، والمناضل الكبير بناي واعلي أحد القادة البارزين في صفوف قيادة حزب الشعب الجزائري في الأربعينيات من القرن الماضي ، الذي اشتهر بإيمانه بالكفاح المسلح كوسيلة لتحرير الوطن ، وبدفاعه عن البعد الأمازيغي في الشخصية الجزائرية، والمناضل النقابي الشهيد عيسات يدير مؤسس الاتحاد العام للعمال الجزائريين سنة 1956م ، والمغني الشيخ أعراب بو يزكارن ، والمناضل المرحوم الهاشمي نايت الجودي الذي ناضل من أجل تكريس حقوق الإنسان و بناء الدولة الديمقراطية وغيرهم . ومما يؤكد أهمية هذه القرية ، زيارتها من قبل شخصيات وطنية نذكر منها الأمير عبد القادر، ورئيس حزب الشعب الجزائري مصالي الحاج .
تقع قرية الجمعة نصهاريج في عرش آث فراوسن الذي تحده شرقا أعراش أث خليلي ، وآث بوشعيب ، ويحده غربا عرش آث يراثن ، أما من الشمال فيحده وادي سيباو بحوضه الأوسط الذي يشكل جزءا من أراضي الجمعة نصهاريج ، ويحده جنوبا عرش آث يحي (عين الحمام ). وبالنظر إلى خصوبة أراضي أحواض وادي سيباو – الذي ينبع من جرجرة ويصب غرب مدينة دلس بعد قطعه لمسافة 120كلم - فقد استقر به العمران البشري منذ العهود الأمازيغية القديمة ، واذا كان المؤرخ اليوناني الشهير (هيرودوت) قد ذكر بأن مصر وحضارتها( هبة) وادي النيل ، فان رفاهية أعراش آث فراوسن، وآث خليلي ، وآث بوشعيب ، و آث يراثن ، وآث جناذ ، وآث واقنون ، وعمراوة ، قد صنعتها خيرات وادي سيباو. لذلك فمن الطبيعي أن تستقطب خصوبة أراضيه اهتمام الأجناس الوافدة إلى الجزائر كالاحتلال الروماني الذي شق طريقا بين مدينتي دلس وبجاية عبر أراضي وادي سيباو، مع إقامة عدة مستوطنات على طول هذا الطريق، ذكر منها السيد محمد الصغير فرج في كتابه [تاريخ تيزي وزو ] مســــــــتوطنة ( بــيدا)bida municipium الواقعة في قرية الجمعة نصهاريج الحالية، وقد عرفت ازدهارا مدنيا في القرن الثالث الميلادي تحت حماية حامية عسكرية مرابطة فيها . هذا وتذكر رواية شعبية شفوية ذات مسحة أسطورية سمعتها عن السيد مقراني علي ، أنه عندما عزم حاكمها على جلب الماء إلى المستوطنة المذكورة ، وعد من ينجح في تحقيق هذا المشروع بتزويجه ابنته ، وتضيف الرواية أنه تنافس شخصان حول هذا المشروع ، التجأ أحدهما إلى جبل ثامقوط لجلب الماء في حين اتجه الثاني نحو جبال جرجرة ، وقد كان النجاح حليف الشخص الثاني ، في حين انتهت جهود الأول بإيصال الماء إلى عين [ ثلا زاوش] الكائنة في عرش آث بوشعيب . وتضيف الرواية أن أهل الجمعة نصهاريج قد تأكدوا من وجود هذه القناة الناقلة للمياه من جرجرة إلى قريتهم حينما قام أحد أعيان جرجرة بإلقاء بعض المحاصيل الزراعية في المنبع فوصلت إليهم .
هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن علماء الآثار الفرنسيين قد اهتموا بتاريخ هذه القرية لاعتبارات استعمارية استهدفت ربط الصلة بين الوجود الروماني والفرنسي ، وقد تم ذلك على حساب تاريخ الحضارتين الأمازيغية والعربية الإسلامية ، ومن ابرز علماء الآثار الذين اهتموا بهذه القرية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر العالمان : vigniral فيقنـــــــــــيرال ، وjacques martin جاك مارتان .
ورغم تمسك الأهالي بلغتهم وثقافتهم الأمازيغية ، فان ذلك لم يمنعهم من احتضان الحضارة العربية الإسلامية التي تتجلى في مظاهر عدة ، كانتشار التعليم العربي عبر الكتاتيب والمدارس القرآنية والزوايا، دون إقصاء اللغة الأمازيغية التي تطورت بفضل هذه المدارس بالحروف العربية ، خاصة في المجال الفقهي . ومن هذه المظاهر أيضا أسماء الأماكن الجغرافيا ذات الجذور العربية ، منها اسم (الجمعة نصهاريج ) الذي يتركب من كلمتين : ( الجمعة ) وهو آخر أيام الأسبوع كانت تعقد فيه سوق جهوية كبيرة تتسوق فيها أعراش عديدة ، و (الصهاريج ) التي تعني العيون ، علما أن هذه القرية تشتهر منذ القديم بمياهها الغزيرة وعيونها الدافقة حتى أطلقت على بعض أماكن القرية منها : ثلا مقرن – حيث مقر زاوية الشيخ محند والحاج – ومعناها العين الكبيرة ، وثلا مومن التي يرجح آن تكون منسوبة إلى رجل زاهد متعبد مواظب على أداء الصلاة .
علاقة أهل قرية الجمعة نصهاريج بالأتراك العثمانيين تميز عرش آث فراوسن خلال العهد التركي بحفاظه على استقلاليته ، فقد أدرج الضابط الفرنسي ( louis rinn / لوي رين ) في كتابه (le royaume d Alger sous le dernier dey ) عرش آث فراوسن ضمن الأعراش الخارجة عن نفوذ الحكم التركي العثماني ( ص66)، وبعبارة أخرى فان هذا العرش كان لا يدفع الضرائب ، ولا يتدخل الأتراك في تعيين قادته ، وعليه فهو لم يدرج ضمن قبائل المخزن التي كانت تخــضع للأــــــــتراك العثمانيــــــــين وتخدمهم ، على غرار عرش عمراوة. غير أن ما يلفت الانتباه هو إدراج الضابط الفرنسي [جوزيف نيل روبان ] في كتابه[ La Grande Kabylie sous le régime turc] منطقة [مقلع] الواقعة في عرش آث فراوسن ضمن عرش عمراوة الفواقة الخاضع لحكم الأتراك(ص49) ، فهل يعني ذلك أن قرى عرش آث فراوسن قد انقسمت إلى مجموعتين إحداهما مستقلة والأخرى موالية لحكم الأتراك ؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تحرشا متواصلا على أراضي آث فراوسـن الواقعة في حـوض وادي سيـباو ، من قبل عائلة آث قاسي القوية التي كانت تشكل رأس الحربة في مخزن عمراوة ؟
ومهما يكن من أمر فقد أصر أهالي قرية الجمعة نصهاريج على الاحتفاظ بحريتهم رغم انتصار القائد التركي(علي خوجة) على سي أحمد واعلي أوبختوش ما بين 1720و1730- الأمر الذي أدى إلى زوال نفوذ بقايا آث القاضي السياسية - لذلك اضطر الحكام الأتراك إلى تغيير سياستهم و تليين موقفهم إزاء الأهالي ، فسعوا إلى كسب ود المرابطين الأشراف ، لما لهم من وزن ونفوذ في أوساط السكان ، خاصة عن طريق منحهم عدة امتيازات، وبناء المساجد في مناطقهم ، ويندرج في هذا السياق بناء مسجد قرية الجمعة نصهاريج الذي بناه يحي أغا بن مصطفى في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي ، وقد لعب – برأي الأستاذ أحمد كديد – أحد أجداده دورا بارزا في جلب هذا المشروع كما سنوضح لاحقا . و لعله من ثمار هذه السياسة المرنة أن تمكن الحكام الأتراك من تمرير قواتهم العسكرية عدة مرات من مدينة الجزائر إلى بجاية عبر( فج أكفادو ) بفضل [ لعناية] - أي حماية - أشراف آث بوشعيب، وآث يجر .
الاحتلال الفرنسي لقرية الجمعة نصهاريج
لم يتخلف أهل الجمعة نصهاريج عن واجبهم الوطني عندما تعرضت الجزائر للغزو الفرنسي، فقاوموا الاحتلال الفرنسي مقاومة شرسة تحت قيادة خليفة الأمير عبد القادر احمد الطيب بن سالم المدعم ببلقاسم أوقاسي إلى سنة 1847م ، ورغم انتصار الفرنسيين فان الجهاد لم يتوقف بل استمر تحت قيادات جديدة برز فيها بوبغلة مابين (1851-1854) ، والمدعو[ بن علي ناث قاسي] العائد من تونس في مطلع سنة 1856 لدعم مقاومة الشيخ الصديق بن أعراب بعرش الاربعاء ناث يراثن، والشيخ أعمر مقدم زاوية أمحمد بن عبد الرحمن بعرش آث إسماعيل ، وجاءت عقبها ثورة الشيخ الحداد والمقراني سنة 1871م التي شارك فيها أهل عرش آث فراوسن بالنفس والنفيس .
هذا وقد شجع انتصار الفرنسيين على تمركز فرقة من اليسوعيين في مقلع حيث أسست مدرسة سنة 1873م ، تعد في طليعة المدارس الفرنسية في منطقة القبائل ، ومما تجدر الإشارة إليه أن موجة الاستيطان الفرنسي قد اشتدت عقب إخفاق ثورة 1871م، إذ تم استقدام آلاف العائلات من فرنسا خاصة من منطقتي الألزاس ولورين ، وفي سياق توطين الفرنسيين والأوروبيين عامة ، تم تأسيس مستوطنة مقلع سنة 1880م على مساحة قدرها( 2291هكتارا) تمت مصادرها من الأهالي ، خاصة أراضي الأوقاف ، ومما يرجح ذلك أن موقع هذه المستوطنة كان يسمى في الماضي ( أعرقوب الجامع ) ومعناه أرض الجامع ، وقسمت إلى خمسين (50) ملكية. وبعد مرور عشرين سنة باع منها المستوطنون أربع وعشرين قطعة للجزائريين .
هذا وقدر الكاتـب الفرنســـــــــــي[ آلان مــاهي Alain Mahé ] في كتــــابـــــــــــه [ Histoire de La Grande Kabylie ] عدد ســـكان هذه المســــتوطنة سنــة 1936م بــ 182ساكنا ، موزعين على النحو التالي : 52 فرنسيا ، و92 أهليا (جزائريا ) ، 38 أهليا مجنسا . والجدير بالذكر أن بلدية مقلع كانت في العهد الفرنسي مصنفة ضمن البلديات ذات الصلاحيات الكاملة التي يسيرها مجلس منتخب على غرار البلديات الفرنسية ، خلافا لنظام البلدية المختلطة المطبق حيث يقل المستوطنون الفرنسيون، والمتميز بوجود متصرف إداري معين على رأس اللجنة البلدية.
عائلة الشيخ محند والحاج ودورها العلمي والتنويري
لعبت عائلة الشيخ محند والحاج دورا رائدا في نشر العلم والمعرفة وإصلاح ذات البين وتحصين المجتمع بالقيم الأخلاقية الإسلامية ، وقد دأب أبناؤها على طلب العلم في الزوايا المحلية – أي الموجودة في منطقة القبائل - كزاوية سيدي منصور وزاوية عبد الرحمن الايلولي ، كما كان البعض منهم يطلبون العلم في الأزهر الشريف. هذا وتنتسب هذه العائلة إلى قرية أث عيش التي نزح مؤسسها[ سيدي علي والقاضي] من المغرب ، وتنتمي إلى فرع لقواضي المتكون من العائلات : كديد (عائلة الشيخ محند والحاج) ، وكادي ، وخليل ، وهي من صلب آث القاضي الذين أسسوا إمارة في القبائل الكبرى خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر(م) كان مقــرها في جـبل كوكو بعين الحمام .
وفي مقابلة مع السيد أحمد كديد (حفيد الشيخ محند والحاج ) ذكر أن أجداده (عائلة لقواضي) قد لعبوا دورا بارزا أثناء عقد الاجتماع الخاص بمنع المرأة من ميراث العقار في النصف الثاني من القرن الثامن عشر (1749م) ، هذا وقد خلد أهل الجمعة نصهاريج هذا الحدث بوضع نصب تذكاري حجري بموقع( أصفصافن ) حيث عقد الاجتماع ، وأضاف المتحدث أنه يملك في مكتبته وثيقة مخطوطة وردت من الجامع الأزهر بمصر تعاتب العالم المشرف على ذلك الاجتماع ، وتنتقد تزكيته لقرار حرمان المرأة من الميراث .
ومن أبرز علماء هذه الأسرة الشيخ لونيس بن القاضي الصهريجي الزاووي صاحب التآليف العديدة ، لعل أهمها كتاب[الآجرومية] الذي توجد نسخة منه في المكتبة الوطنية بالحامة تحت رقم 3089 ، وحسب المعلومات المستقاة من الأستاذ أحمد كديد ، فقد كان هذا العالم يستنسخ الكتب لبيعها خاصة في مدينة الجزائر التي كان يقصدها خلال شهر رمضان، لتقديم الدروس بجامع سيدي رمضان ، وكان أحد قادة الأتراك العثمانيين معجبا بدروسه ، لذلك قرر مكافأته بما يرضيه ، فطلب منه أن يبين طبيعة المكافأة التي يرغب فيها ، فأشار عليه الشيخ لونيس بن القاضي بأن أفضل هدية تسره هي بناء مسجد في قريته الجمعة نصهاريج ، فكان له ما أراد . ومهما يكن أمر هذه الرواية الشفوية فان المصادر التاريخية – منها بحث جوزيف نيل روبان – تشير إلى أن يحي أغا هو الذي شيد مسجد هذه القرية في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي (1819م ؟).
Dernière édition par
mbibany le Ven Oct 05, 2007 14:09, édité 1 fois.